في ذكرى الهجرة النبوية..حاجة الأمة للنصرة والوَحدة
بقلم : عاهد ناصر الدين
خصَّ الله – عز وجل- المهاجرين والأنصار ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين ،خصهم بالمدح والفضل وعلو المكانة والمنزلة لنصرتهم دينه وصبرهم على حملها، وتحمُّلهم الأذى {وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ رَّضِيَ اللّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ } [التوبة: 100]. ورد في تفسير السعدي "السابقون هم الذين سبقوا هذه الأمة وبدروها إلى الإيمان والهجرة، والجهاد، وإقامة دين اللّه. {مِنَ الْمُهَاجِرِينَ} {الذين أخرجوا من ديارهم وأموالهم يبتغون فضلا من اللّه ورضوانا، وينصرون اللّه ورسوله أولئك هم الصادقون} ومن {الْأَنْصَارِ} {الذين تبوأوا الدار والإيمان من قبلهم يحبون من هاجر إليهم، ولا يجدون في صدورهم حاجة مما أوتوا، ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة} {وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ} بالاعتقادات والأقوال والأعمال، فهؤلاء، هم الذين سلموا من الذم، وحصل لهم نهاية المدح، وأفضل الكرامات من اللّه. {رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ} ورضاه تعالى أكبر من نعيم الجنة، {وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ} الجارية التي تساق إلى سَقْيِ الجنان، والحدائق الزاهية الزاهرة، والرياض الناضرة. {خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا} لا يبغون عنها حولا، ولا يطلبون منها بدلا، لأنهم مهما تمنوه، أدركوه، ومهما أرادوه، وجدوه. {ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} الذي حصل لهم فيه، كل محبوب للنفوس، ولذة للأرواح، ونعيم للقلوب، وشهوة للأبدان، واندفع عنهم كل محذور".
وورد في السيرة أن محمداً-صلى الله عليه وعلى آله وسلم- وصحابته الكرام كافحوا مدة ثلاث عشرة سنة في مكة المكرمة وهاجروا إلى المدينة بعد ذلك ليقيموا الدولة الإسلامية الأولى. وبعد إقامة الدولة طبِّق الإسلام عمليا في حياة الناس ،وتم الحكم بالإسلام وتوحدت القبائل التي كانت متناحرة في المدينة، وتوحدت معها باقي القبائل في الجزيرة العربية، وانصهرت جميعها في بوتقة الأمة الواحدة وهي الأمة الإسلامية. وكان النبي محمد -صلى الله عليه وآله وسلم- أول رئيس للدولة الإسلامية، وخلفه أبو بكر في رئاسة الدولة بعد أن بايعه المسلمون خليفة عليهم بعد وفاة المصطفى-صلى الله عليه وآله وسلم . وأكمل الله دينه وأتم نعمته على المسلمين ورضي الله الإسلام دينا ، وقام الرسول – صلى الله عليه وسلم- بدعوة الأمم والشعوب المجاورة بإرسال الرسل إلى الملوك ، وبالسرايا والغزوات على حدود الروم في مؤتة وتبوك ، وتتابعت الفتوحات على عهد الخلفاء الراشدين ، فَفُتح العراق وكان يسكنه خليط من النصارى والمزدكية والزرادشتية من العرب والفرس ، وفتحت فارس وكان يسكنها العجم وقليل من اليهود والرومانيين ، وكانت تدين بدين الفرس ، وفتحت الشام وكان إقليما رومانيا يثقف بثقافة الرومانيين ويتدين بالنصرانية ويسكنه السوريون والأرمن واليهود وبعض الرومان وبعض العرب ، وفتحت مصر وكان يسكنها المصريون وبعض اليهود وبعض الرومان ، وفتحت شمال إفريقيا وكان يسكنها البربر وكانت بيد الرومان 0 ثم جاء الأمويون ، ففتحوا السند وخوارزم وسمرقند والأندلس ، وهي متباينة القوميات واللغة والدين والتقاليد والعادات والقوانين والثقافة والعقلية والنفسية 0 وتحقق للدولة الإسلامية وحدها أن تُظلِّل هذه الشعوب بالراية الإسلامية ، وصارت أمة واحدة هي الأمة الإسلامية .
لقد ظهر للقاصي والداني حقد الغرب على المسلمين لتوهين قدر الإسلام في قلوبهم والطعن في عقيدتهم خاصة بعد هدم دولة الخلافة. فهل آن للمسلمين أن يدركوا الصديق من العدو ، وأن يقيموا دولة الإسلام ؟ وأن يسلكوا الطريقة التي سلكها النبي -صلى الله عليه وسلم- أورد ابن هشام في السيرة النبوية"ثم قدم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مكة وقومه على أشد ما كانوا عليه من خلافه... فكان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يعرض نفسه في المواسم على قبائل العرب ويسألهم أن يصدقوه ويمنعوه". وهذه المرحلة الجديدة من الدعوة كانت بأمر من الله- عز وجل-، ولم تكن اجتهاداً من الرسول -صلى الله عليه وسلم- لأمر اقتضته ظروف الدعوة، ويدل على ذلك ما ورد في فتح الباري شرح صحيح البخاري، ما نصه: "أخرج الحاكم وأبو نعيم والبيهقي في الدلائل بإسناد حسن عن ابن عباس، حدثني علي بن أبي طالب قال: لما أمر الله نبيه أن يعرض نفسه على القبائل، خرج وأنا معه وأبوبكر إلى منى..الحديث".
ويذكر في هذا الحديث الطويل كيف كان النبي -صلى الله عليه وسلم-وصاحباه يقصدون مجالس العرب بمنى بموسم الحج... حتى ذكر قصدهم لمجلس ربيعة، ثم لمجلس الأوس والخزرج من أجل الإيواء والنصرة. وقد ورد في سيرة ابن هشام ما نصه"و لما هلك أبو طالبخرج رسول الله -صلى الله عليه وسلم -إلى الطائف يلتمس النصرة من ثقيف والمنعة بهم من قومه ورجاء أن يقبلوا منه ما جاءهم به من الله- عز وجل -و لما رجع الرسول الله -صلى الله عليه وسلم- خائباً من الطائف إلى مكة قال ابن إسحاق: ...فكان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يعرض نفسه في المواسم على قبائل العرب يدعوهم إلى الله ويخبرهم أنه نبي مُرسل ويسألهم أن يصدقوه ويمنعوه حتى يبين لهم ما بعثه الله به .وبقي هذا شأن الرسول -صلى الله عليه وسلم- في سيره بالدعوة يتقصد القبائل ككيانات ويتقصد الرؤساء والسادة والأشراف ومن لهم مكانة. قال ابن إسحاق: "فكان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على ذلك من أمره كلما اجتمع له الناس في بالمواسم أتاهم يدعو القبائل إلى الله وإلى الإسلام، ويعرض عليهم نفسه وما جاء به من الله من الهدى والرحمة، وهو لا يسمع بقادم يقدم مكة من العرب له اسم وشرف إلا تصدى له ودعاه إلى الله وعرض عليه ما عنده .فأتى كلباً في منازلهم وأتى بني عامر بن صعصعة وأتى كندة في منازلهم، وكندة كانت ملوكاً، وأتى بني حنيفة في منازلهم وكان يقصد كل قبيلة في منازلها ويعرض عليها نفسه ويطلب منها أن تؤمن به وأن تصدقه وأن تنصره وتحميه. وقد استمر الرسول-صلى الله عليه وسلم- على ذلك حتى وفد أهل المدينة من الأوس والخزرج بعد أن مكث فيهم مصعب بن عمير سنة وواعدهم العقبة، وعقد معهم بيعة العقبة الثانية التي كانت البيعة فيها تقوم على أساس النصرة والحماية وكانت بيعة الحرب، وبذلك وجد الكيان الذي ينصره ويحميه، وعندها وقف عن طلب النصرة والحماية. وقد وضح في سيرة النبي –صلى الله عليه وسلم- أمران، أولهما تقصد أهل القوة والمنعة من القبائل والسادة والأشراف ومن لهم اسم و شرف ومكانة، وثانيهما طلب نصرة وحماية أهل القوة والمنعة.
وكان العرب يفهمون من طلبه هذا أنه يريد حكماً وسلطاناً، من ذلك ما ورد في رد قبيلة عامر بن صعصعة، حيث اشترطوا عليه أن يكون لهم الحكم من بعده على وجه الجزاء لما سيبذلونه له من حماية ونصرة، بقولهم "أرأيت إن نحن تابعناك على أمرك، ثم أظهرك الله على من خالفك، أيكون لنا الأمر من بعدك؟ فقال لهم: إن الأمر لله يضعه حيث يشاء، فقالوا له، أفنهدف نحورنا والعرب دونك ثم يكون الأمر لغيرنا، اذهب لا حاجة لنا بك". وقد استمر الرسول -صلى الله عليه وسلم- على ذلك حتى وفد إليه أهل المدينة وبايعوه بيعة العقبة الثانية. ذلك أنه قبل مهاجره إلى المدينة بسنتين وفد ستة من الخزرج من أهل المدينة على مكة في الموسم فعرض عليهم النبي -صلى الله عليه وسلم- الإسلام فأسلموا ثم قالوا للرسول عليه الصلاة والسلام: "إن وراءنا بالمدينة قوماً قد اختلفوا، فإن جمعهم الله عليك لم يكن أحد أعز منك". وفي العام التالي من الموسم جاء اثنا عشر رجلاً وبايعوه بيعة النساء، وأرسل مصعب بن عمير رضي الله عنه معهم إلى المدينة ليدعو أهلها إلى الإسلام ويطلب منهم النصرة، فذهب مصعب يدعو الناس إلى الإسلام ويعمل مع أسعد بن زرارة بتجميع القوى المادية من أهل النصرة لتغيير أحكام الكفر وإقامة الحكم بما أنزل الله في المدينة والاستعداد للتضحية بالنفس والنفيس من أجل الدعوة وصاحب الدعوة. ولما استجابوا للنصرة وتحققت الكفاية أحضرهم للنبي -صلى الله عليه وسلم- ليبايعوه بيعة الحرب .
جاء في زاد المعاد لابن القيم ما نصه: عن جابر قال:فائتمرنا واجتمعنا، وقلنا: حتى متى رسول الله يطرد في جبال مكة، ويخاف، فرحلنا حتى قدمنا عليه في الموسم، فواعدنا بيعة العقبة،فقلنا يا رسول الله علام نبايعك؟ قال: تبايعوني على السمع والطاعة في النشاط والكسل، وعلى النفقة في العسر واليسر، وعلى الأمر بالمعروف والنهي على المنكر، وعلى أن تقولوا في الله، لا تأخذكم لومة لائم، وعلى أن تنصروني إذا قدمت عليكم، وتمنعوني مما تمنعون منه أنفسكم وأزواجكم وأبناءكم ولكم الجنة. فقمنا نبايعه، فأخذ بيده أسعد بن زرارة وهذا أصغر السبعين فقال: رويداً يا أهل يثرب، إنا لم نضرب إليه أكباد المطي إلا ونحن نعلم أنه رسول الله، وإن إخراجه اليوم مفارقة العرب كافة، وقتل خياركم، وأن تعضكم السيوف، فإما أنتم تصبرون على ذلك فخذوه وأجركم على الله. وإما أنكم تخافون من أنفسكم خيفة فذروه، فهو أعذر لكم عند الله. فقالوا: يا أسعد أمط عنا يدك، فوالله لا نذر هذه البيعة، ولا نستقيلها، فقمنا إليه رجلاً رجلاً، فأخذ علينا وشرط، يعطينا بذلك الجنة". أخرجه أحمد والبيهقي وصححه الحاكم ووافقه الذهبي، وقال ابن كثير في السيرة هذا إسناد جيد على شرط مسلم، وصححه ابن حبان . وقال كعب بن مالك رضي الله عنه "فلما فرغنا من الحج، وكانت الليلة التي واعدنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم-...فنمنا تلك الليلة مع قومنا في رحالنا، حتى إذا مضى ثلث الليل خرجنا من رحالنا لميعاد رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، نتسلل تسلل القطا مستخفين، حتى اجتمعنا في الشِّعب عند العقبة، ونحن ثلاثة وسبعون رجلاً، ومعنا امرأتان من نسائنا،فاجتمعنا في الشِّعب، ننتظر رسول الله-صلى الله عليه وسلم-حتى جاءنا ومعه عمه العباس بن عبد المطلب، وهو يومئذ على دين قومه، إلا أنه أحب أن يحضر أمر ابن أخيه، ويتوثق له، فلما جلس كان أول متكلم العباس فقال: يا معشر الخزرج :إن محمدًا منا حيث علمتم، وقد منعناه من قومنا، ممن هو على مثل رأينا فيه، فهو في عزٍّ من قومه، ومنعة في بلده، وإنه قد أبى إلا الانحياز إليكم، واللحوق بكم، فإن كنتم ترون أنكم وافون له بما دعوتموه إليه ومانعوه ممن خالفه فأنتم وما تحملتم، وإن كنتم ترون أنكم مسلِّموه وخاذلوه بعد الخروج به إليكم فمن الآن فدعوه، فإنه في عزٍ ومنعةٍ من قومه وبلده، فقلنا له: قد سمعنا ما قلت، فتكلم يا رسول الله، فخذ لنفسك ولربك ما أحببت...، فتكلم عندئذ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فتلا القرآن، ودعا إلى الله ورغب في الإسلام ثم قال: "أُبايعكم على أن تمنعوني مما تمنعون منه نساءكم وأبناءكم" . فأخذ البراء بن معرور بيده ثم قال:نعم والذي بعثك بالحق نبياً لنمنعنّك مما نمنع منه أزرنا، فبايعنا يا رسول الله، فنحن والله أبناء الحروب وأهل الحلقة ورثناها كابراً عن كابر. فاعترض القول -والبراء يتكلم- أبو التيّهان فقال:يارسول الله، إنّ بيننا وبين الرجال حبالاً و إنّا قاطعوها -وهو يعني اليهود- فهل عسيت إن نحن فعلنا ذلك ثمّ أظهرك الله أن ترجع إلى قومك وتدعنا؟. فتبسم الرسول -صلى الله عليه وآله وسلم- ثم قال:"الدّم الدّم والهدمُ الهدم، أنا منكم وأنتم منّي، أحارب من حاربتم وأسالم من سالمتم". إن النصرة لدين الله – عز وجل - تحتاج إلى رجال وأي رجال، رجال لهم شهامة ونجدة كأمثال سعد بن معاذ و أسيد بن حضير والبراء بن معرور. وبالرغم من كل ذلك، فإننا واثقون من نصر الله و تأييده. ولنا في عزيمة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وثباته وثقته بنصرالله أسوة؛فقد كان صلى الله عليه وسلم في غزوة الأحزاب أثناء حفره للخندق، يبشر بهدم أعظم دولتين في ذلك التاريخ مع أن المشاهد المحسوس يبين أن الغلبة ستكون للأحزاب ، حتى إنه بعد مرور اليوم السابع والعشرين من الحصار المضروب على المدينة، صار المنافقون يقولون إن محمداً يعدنا بكنوز كسرى وقيصر وأحدنا لا يجرؤ على قضاء حاجته في الخلاء، فقال عليه الصلاة والسلام: والذي نفسي بيده، إني لأرجو أن أستلم مفاتيح الكعبة وأن أغنم كنوز كسرى وقيصر وأن تنفق أموالهم في سبيل الله، وهكذا كان، حيث أورثهم الله تلك الديار{فِي بِضْعِ سِنِينَ لِلَّهِ الْأَمْرُ مِن قَبْلُ وَمِن بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ }الروم4. وفي الختام :- قال الرسول – صلى الله عليه وسلم -لولا الهجرة لكنت امرأً من الأنصار، ولو سلك الناس شعباً وسلك الأنصار شعباً لسلكت شعب الأنصار .
فيا أحفاد سعد بن معاذ، وسعد بن الربيع، وسعد بن عبادة، وأسعد بن زرارة، وأسيد بن حضير، والبراء بن معرور، وعبد الله بن رواحة، ومعاذ بن جبل، وعبادة بن الصامت، يا أحفاد النقباء، يا أحفاد من رفعوا اللواء، يا أحفاد من هجروا الشاة والبعير، ورجعوا برسول الله إلى رحالهم، يا أحفاد من رضوا بالله رباً وبرسوله حظاً وقسماً، يا أحفاد من شملهم رسول الله بالدعاء (اللهم ارحم الأنصار وأبناء الأنصار وأبناء أبناء الأنصار) هل ما زال فيكم سعد؟؟
No comments:
Post a Comment