Saturday, January 2, 2010

يا دعاة الإسلام بشروا وأبشروا

الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على أشرف الخلق أجمعين ، نبينا محمد عليه وعلى آله وصحابته أفضل الصلاة وأتم التسليم ... وبعد : فإن الناظر بعين البصيرة إلى واقع الأمة الإسلامية وما تمر به من فتن ومضلات يعلم مدى حاجة الأمة إلى الدعاة المخلصين والأئمة المهديين ؛ ومن يرى أو يسمع عن الهزائم المتتالية والمصائب المتتابعة التي تمر بها الأمة يعلم علما يقينيا أن هناك خللا وتقصيرا ، وثمة ثقب ينفذ منه الأعداء ، ويلج منه أهل الفساد ؛ ذلك أن المصائب والفتن المتتابعة تولد لدى بعض الدعاة خمولا وهزيمة نفسية ، كما أن تناقل مثل هذه الأخبار والحديث عنها يورث يأسا وقنوطا عند بعضهم ؛ وها هنا مكمن الخلل وعين التقصير والنقص ؛ ولست أدعو إلى التغافل عن هذه الفتن أو تركها ، بل الواجب معرفتها ومعرفة كيفية محاربتها وصدها ، ويجب مع كل هذا بث روح الأمل بنصرة الدين وإحياء هذا المفهوم وشحن النفس به ، خصوصا أنه قد سرى في بعض النفوس يأس قاتل من نصرة الإسلام ، فتقاعسوا عن العمل وأصابهم قنوط من هذا كله حتى أصبح بعضهم يعد الحديث عن نصرة الدين ضربا من المستحيل أو حديثا عن الخيال البعيد ، وربما علل ذلك وبرهن له بمنطق من غاب عن وعيهم روح الإيمان ، فصاروا يحاكمون الأمور إلى الأصول المادية البحتة ؛ وإن المتأمل في سيرة المصطفى صلى الله عليه وسلم يرى حرصه الشديد على غرس هذا المفهوم في نفوس الصحابة ؛ ويتأكد ذلك عندما تشتد الفتن عليهم ، وبتكالب عليهم أعداء الله من كل مكان ؛ روى البخاري في صحيحه عن خباب بن الأرت قال : شكونا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو متوسد بردة له في ظل الكعبة ، فقلنا : ألا تستنصر لنا ؟ ألا تدعو الله لنا ؟ فقال : " قد كان من قبلكم يؤخذ الرجل فيحفر له في الأرض فيجعل فيها ، ثم يؤتى بالمنشار فيوضع على رأسه ، فيجعل نصفين ، ويمشط بأمشاط الحديد ما دون لحمه وعظمه ما يصده ذلك عن دينه ، والله ليتمن الله هذا الأمر حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت لا يخاف إلا الله والذئب على غنمه ؛ ولكنكم تستعجلون " ( البخاري 7/126 ) ؛ ويتكرر مثل هذا الموقف ؛ ففي غزوة الأحزاب وعندما تكالب الأعداء على المسلمين من كل جانب يحيي صلى الله عليه وسلم هذا المفهوم ويغرسه في نفوس أصحابه ، وذلك عندما اعترضت صخرة للصحابة وهم يحفرون الخندق فضربها صلى الله عليه وسلم ثلاث ضربات فتفتتت ، فقال إثر الضربة الأولى : " الله أكبر إعطيت مفاتح الشام والله إني لأبصر قصورها الحمراء الساعة " ، ثم ضربها ثانية فقال : " الله أكبر أعطيت فارس ؛ والله إني لأبصر قصر المدائن الأبيض " ، ثم ضرب الثالثة ، وقال : " الله أكبر أعطيت مفاتيح فارس ؛ والله إني لأبسر قصر مدائن البيضاء , ثم ضرب الثالثة , وقال : " الله أكبر أعطيت مفاتيح اليمن , والله إني لأبصر أبواب صنعاء من مكاني الساعة " ( رواه أحمد والنسائي بسند حسن ) وكان موقف المؤمنين ما حكاه القرآن الكريم : " هذا ما وعدنا الله ورسوله وصدق الله ورسوله وما زادهم إلا إيمانا وتسليما " الأحزاب : 22 . إن نفوس الصحابة كانت مشحونة بكثير من الآلام والمخاوف ، ويأتي مثل هذا الكلام ليكون بردا وسلاما عليها . قال ابن القيم - رحمه الله - معلقا على قصة كعب بن مالك : " وفي استباق صاحب الفرس والراقي على سلع ليبشر كعبا دليل على حرص القوم على الخير ، واستباقهم إليه ، وتنافسهم في مسرة بعضهم بعضا . ( زاد المعاد 2/585 ) . وأي مسرة أعظم من المسرة بنصرة الدين ؟ إنك لتعجب أشد العجب عندما ترى بعض الدعاة يغفل عن مثل هذا المفهوم ، فتسري في قلبه روح الهزيمة ؛ فتجده واضعا كفه على جبينه عندما يسمع خبر حدوث فتنة هنا أو هناك معلنا انهزاميته وتراجعه الكامل ، وقد غفل عن سنة الله في كونه : " ولقد سبقت كلمتنا لعبادنا المرسلين ، إنهم لهم المنصورون ، وإن جندنا لهم الغالبون " ( الصافات : 171-173 ) . والله غالب على أمره . مجلة البيان العدد 153.

No comments:

Post a Comment