Wednesday, July 22, 2009

Sheikh Atiah Saqar

فقيد الإسلام والعلم الشيخ عطية صقر

في ظل غبش الفكر واضمحلال الرؤى، وطنطنة المنتسبين للعلم زورا وبهتانا، تعظم مصيبة الأمة في موت عالم صاحب فهم قبل أن يكون صاحب علم، صاحب فقه قبل أن يكون حافظا، وهكذا كان فقيد العلم الشيخ عطية صقر رحمه الل

العالم الفقيه، والأزهري صاحب النظرة الوسطية التي لا تفريط فيها ولا إفراط، والداعية الذي يدرك متى يشدد، ومتى يرخص، عالم بمقاصد الشريعة العليا، وقاف على حدود الله عز وجل.
إنه العالم الذي يجمع ولا يفرق، لكنه لا يقبل انحرافا عن شريعة الله، ولا تجاوزا لحدوده، يقف للعلمانيين بالمرصاد، ويعلن براءة الإسلام بشموليته ورحابة أفقه من أفكارهم.

وفي المقابل يظهر وجه الإسلام الجميل بعيدا عن تعصب فريق نصب نفسه بغير حق متحدثا باسمه، فيخرج أمثاله -رحمه الله- ليجلوا الحقيقة وليعلنوا أن الإسلام أرحب وأوسع من تلك النظرات الضيقة، وأن الفقه الإسلامي فيه من المرونة والسعة ما يسمح بتجاوز تلك الخلافات الضيقة.

تقدير المذاهب الفقهية

وهذه من السمات البارزة لمدرسة الشيخ – رحمه الله -

والمفتقدة في جمهرة كبيرة ممن يتصدون للفتوى، حيث تراهم يفتون وكأنهم أصحاب الرأي الأوحد في المسألة، يغضون الطرف عن مدارس ومذاهب لها اعتبارها فيما يتعرضون له، وهو ما يحدث تعصبا أعمى عند طلاب العلم الذين يأخذون عنهم، فتنشأ العداوات بين أصحاب المذاهب المختلفة.

لذلك فقد كان الشيخ رحمه الله يقدر تراث الأمة العلمي أيما تقدير، ويحترم شتى المدارس الفقهية احتراما شديدا، ولهذا ما كان فضيلته يتعرض لبيان أي حكم شرعي إلا ويبدأ ببيان آراء فقهاء الأمة في موضوع السؤال، وفي كثير من الأحيان يرجح فضيلته ما يطمئن إليه قلبه، وما يقوده إليه الدليل، مثلما حدث في فتواه عن حكم مصافحة الرجال للنساء، إذ قال فضيلته: إن المصافحة حرام؛ لأن لمس الرجل ليد المرأة يوقظ الغريزة، وهو ما نهى الإسلام عنه، ولقد أحدثت تلك الفتوى رد فعل عنيفا في بعض الأوساط التي تعتبر مثل هذه التصرفات من قبيل المدنية والتحضر، وكان لردة الفعل هذه أثرها على توقف برنامج الشيخ التلفزيوني الذي أفتى فيه بتلك الفتوى، حيث منع بعدها!

وأحيانا كان فضيلته يخير السائل بين أمرين أو أكثر من الفتاوى التي يرى أنها صحيحة واستقر عليها الفقه الإسلامي، ولعل بعض الناس كان يستغرب مثل هذا الصنيع لأنه يرى أن ما يشفي غليل السائل أن يأخذ جوابا مختصرا وشافيا، إلا أن هذا الصنيع يحمد للشيخ، فهو يحمل من أسس التربية والتعليم الكثير من المعاني، إذ ينبغي على من يكون في مركز الفتوى أولا أن يكون محيطا بكل ما قيل في القضية المطروحة للنقاش أو موضوع السؤال، ثم عليه ثانيا التأدب حتى مع المخالفين، ولم يكن من دأب الشيخ تسفيه رأي عالم قامت عليه بينة.

موقفه من الشيعة

ولعله في هذا الإطار يأتي موقف الشيخ من الشيعة، حيث لا يمكن لأي باحث يحترم تاريخ الأمة – والشيخ منهم بالطبع - إلا أن يقر بوقوع الخلافات الفقهية، وأن يقر كذلك بتأثير تلك الخلافات على مسار الأمة في الواقع العملي، ولعل من أشد تلك الخلافات أثرا انقسام الأمة إلى شيعة وسنة، وعبر التاريخ رأينا هذا الخلاف، وقد أصبح أصلا لعداوات شديدة ومعارك دامية، وعهدنا عبر تاريخ الأمة الإسلامية الطويل وجود نفر من كلا الفريقين يبحث عن أسوأ ما في الآخر ليدمغه به، وكأنه صفة غالبة.

إلا أن هذا لم يمنع من ظهور أطراف في كل من الجانبين -السني والشيعي- تتقي الله في الأمانة العلمية التي تحملها، وفي المسلمين الذين وثقوا في رشادهم، فعمد هؤلاء إلى تحرير مواطن الخلاف ليظل الخلاف محصورا في أضيق الحدود، وترتب على ذلك تقارب الكثير من المواقف، وتحسين كثير من العلاقات، وزوال الكثير من الضباب الذي أحاط بالعلاقة بينهما.

وكان من هؤلاء فقيدنا فضيلة الشيخ عطية صقر رحمه الله، وكان هذا المسلك متوافقا مع منهج الشيخ الذي استخدمه في كافة مواقفه العلمية والعملية، وهو ألا يأخذ الخلاف طابعا شخصيا، وألا يسمح بأن يتجاوز الأمر حده، بل يعطى ما يتناسب مع قدره، وأخيرا فإنه يسعنا ما وسع أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم.

لكن نقطة نظام يجب أن تترسخ في وجدان المتلقي، فليس معنى التقارب الذي دعا إليه الشيخ أو يدعو إليه إخوانه من علماء الأمة أن يتم غض الطرف عن انحرافات عقدية، أو تجاوزات لا تتفق وأصول الشريعة العامة، إنما المقصد هو الدعوة للتقارب البناء على أسس العقيدة الصحيحة، ولا مانع من وجود مناطق خلاف محدودة فيما يحتمل الخلاف. فتوى الفوائد البنكية

قامت الدنيا ولم تقعد حينما أصدرت دار الإفتاء المصرية في شهر سبتمبر 1989 فتوى تتعلق بالفوائد الممنوحة على ودائع الأفراد والشركات لدى البنوك، واتجه الرأي بموجب تلك الفتوى إلى إباحة تلك الفوائد، وثارت ثائرة العلماء وقتها، وكانت مساجلات وحدثت مشاحنات بين المبيحين والمحرمين، إلا أن لجنة الفتوى بالأزهر الشريف كان من رأيها عدم إباحة تلك الفوائد، وخلال فترة رئاسة الشيخ لتلك اللجنة ظل هذا هو رأي لجنة الفتوى، وعلى الرغم من مخالفة هذا الرأي للتوجه الذي اختارته دار الإفتاء فإنه لم يعرف عن الشيخ رحمه الله أنه انجرف في عداوة مع أحد، بل الثابت أن فضيلته لم يكن يأخذ الأمر على محمل شخصي في يوم من الأيام.

النصح للعلماء

من المعهود وفي ظل هذا الانتشار الإعلامي الهائل ومع كثرة القنوات الفضائية التي تتبنى منهج الفتوى وتستقطب لها الكثير من الأعلام، من المنطقي أن تكون هناك خلافات فقهية، مثل هذه الخلافات بالطريقة التي تعرض بها تحدث الكثير من البلبلة بين الناس، هذا في ظل الخلافات التي لها أصل فقهي، إلا أن هناك من يختار الشاذ من الفتاوى وكأنما يتصيد مواطن الخلاف الشاذ في الفقه الإسلامي، وهناك أيضا من استحدث فتاوى لم يسمع بها أحد من قبل، ومن أشهر ذلك ما قيل في النقاب عبر وسائل الإعلام، ومن أنه ليس من الإسلام بل هو دخيل على الدين كما صور بعضهم، ولقد تردد أن الشيخ رحمه الله قد اختص بعض القائلين بهذا الرأي بنصيحة هي من قبيل العتب الشديد، ومثل هذا الموقف عهد عن الشيخ رحمه الله في كثير من المرات التي ثارت فيها خلافات حادة أحدثت بلبلة في الشارع الإسلامي.

رحم الله الشيخ رحمة واسعة وعوض الأمة عنه خيرا،،، سيرة ذاتية

ولد الشيخ في يوم الأحد 4محرم 1333هـ الموافق 22 نوفمبر 1914 في قرية بهناباي مركز الزقازيق بمحافظة الشرقية، حفظ القرآن الكريم في كتاب القرية وعمره 9 سنوات، ثم التحق بالمدرسة الأولية، والتحق بعدها بمعهد الزقازيق الديني عام 1928، ثم التحق بكلية أصول الدين وحصل منها على الشهادة العالمية سنة 1941، وحصل على العالمية مع إجازة الدعوة والإرشاد سنة 1943، وكان ترتيبه الأول.

بدأ حياته خطيبا في مسجد عبد الكريم الأحمدي بباب الشعرية في يوم الإثنين 15 من شهر شعبان سنة 1362هـ الموافق 16 أغسطس عام 1943، ثم عين واعظا بالأزهر بعد ذلك بعامين سنة 1945 حتى رقي إلى مفتش ومراقب عام بالوعظ.

عين سفيرا للأزهر في اللجنة العليا للعلاقات الخارجية بوزارة الخارجية، واللجنة الوزارية للتثقيف الصحي، ومترجما بمراقبة البحوث والثقافة، ووكيلا لإدارة البعوث، ومدرسا بالقسم العالي بالأزهر.

عين عضوا بمجمع البحوث الإسلامية ولجنة الفتوى بالأزهر ثم رئيسا لها، وعضوا بالمجلس الأعلى للشئون الإسلامية، وكان عضوا بمجلس الشعب عن دائرة شبرا، وذلك في سنة 1984.تعددت رحلات الشيخ رحمه الله لمختلف البلدان لنشر الدعوة الإسلامية، فسافر إلى إيران والكويت وإندونيسيا وليبيا والجزائر والبحرين والسنغال ونيجيريا وبنين والولايات المتحدة الأمريكية وباكستان وباريس ولندن.للشيخ مؤلفات علمية مكتوبة تزيد على 31 مؤلفا علميا، يأتي على رأسها كتاب (الدعوة الإسلامية دعوة علمية)، وهو الكتاب الفائز بجائزة المجلس الأعلى للشئون الإسلامية، وكتاب (الأسـرة تحت رعاية الإسلام) ويقـع في ستة مجلدات، وهناك كتب أخرى منها: كتاب (دراسات إسلامية لأهم القضايا المعاصرة)، وكتاب (الدين العالمي ومنهج الدعوة إليه)، وكـتاب ( العـمل والعـمال في نظر الإسلام)، وكـتاب (الإسلام ومشاكل الحياة)، وكتاب ( الحجاب وعمل المرأة )، وكتاب ( البابية والبهائية تاريخا ومذهبا ) ، وكتاب (فن إلقاء الموعظة)، وكتاب (بيان للناس عن موقف الإسلام من التيارات الحديثة)، وكتاب (أوضح الكلام في الفتاوى والأحكام) وهو في عدة أجزاء.

وللشيخ إنتاج علمي مسموع يزيد كثيرا في الكم على ذلك التراث المقروء، فلقد قدم فضيلته للأمة الإسلامية عبر وسائل الإعلام المسموعة والمرئية الكثير من الإنتاج العلمي في كافة فروع الشريعة، ولا يزال كثير من رواد الشبكة الإلكترونية يقبلون بنهم شديد على تراث الشيخ الصوتي، وبخاصة سلسلة فتاوى وأحكام في فقه العبادات، وسلسلة فقه الأسرة المسلمة، وقل أن تجد موقعا يعرض فتاوى إلا وللشيخ أثر واضح فيه، كما أن فضيلته حل ضيفا دائما ومرغوبا فيه على العديد من برامج الفتاوى عبر شبكة القرآن الكريم.

No comments:

Post a Comment